*الروبوت والشعر الأبيض*
___________
شمس المغيب وغزو المشيب ورحلة الخريف لم يشعر بهم يوما وهم يتسربوا ويسرقوا أيامه إلا مع كثرة أحاديث زملائه ورؤساءه عن قرب تقاعده أو الطلب منه عند تقديم فكرة جديدة تسليمها للموظفين الجدد بداعي الرغبة في اضافة إليها اللمسة الشبابية والفكر المتجدد حينها بدأ يتوقف عن الركض ليعيد حساباته فرأى عالم لم يراه من قبل، الشعر الأبيض يتسلل إلي الرأس ليبدأ عملية هجوم وغزو شامل لإخضاع الشعر الأسود لسيطرته أشبه بتسلل المستعمر الأبيض لإخضاع القبائل الإفريقية، رأي الشمس تنحدر نحو المغيب إلتفت يمينًا بحثًا عن من يلقي رأسه فى حضنه ليرتاح من تعب السنين فلم يجد أحد وإلتفت يسارًا بحثًا عن من يشكو له همه والمه فلم يجد أحد، فقد تساقطت منه أوراق الأحبة دون أن يدرى ، فمن رحل عن عالمه ومن ابعده عدم تواصله، أحس بنفسه كشجرة عارية عصفت بها رياح الزمن وإلقتها فى رحلة الخريف، قصرت أم طولت لم يعُد يُفرق معه غير الحقيقة المؤكدة بأنه سيخوض قسوتها وحيدًا، بل أنيس لم يكون له فيها إلا رفيق واحد ؛ الوحدة.
___________
بدأ يستعيد شريط الذكريات وضجيج الحياة من حوله ، إحتفاله بيوم التخرج والتفوق وسط الأهل والأصحاب والأحباب، ثم إلتحاقه بأحد الشركات ، وصل الليل بالنهار وتحول لشعلة نشاط توهج بالأفكار فإذا صيته بالشركة بين الكبار فتخّرج فى المناصب والدرجات وأصبح النجاح والتفوق حليفه فى كل الخطوات ، فنسي الأهل والأصدقاء واستبدلهم بعالم النفاق، الكل يخاطب وده ليناله رضاه ويشاركه النجاح والتكريم والاحتفالات ، وحين أراد الزواج لم يكن بغرض الاستقرار والراحة والاطمئنان بل استكمالاً لمظهر اجتماعي ، وبحث عن حياة من الكمال ، تزوج وأنجب ولا شيء يُشغل اهتمامه سوي أن يكون في المقدمة ، سباق لا ينتهي ليس فيه محطات للبيت ، لا أولاد ولا أهل ولا أصحاب ، تحول لآلةً، فهو في عائلته صرافة للمال وفي شركاته آلة للإنتاج. وهنا اوقّفت دموعه شريط الذكريات، دموع علي مافات وما هو آت، وكلمات وجهها لكل صاحب طموح وباحث عن النجاح؛ لا تنسي شجرتك ، اسقيها لتكبر معك وتزدهر أوراقها، اسقيها لتجد ملاذً تلجأ إليه وتستند عليه حين تبدأ رحلة خريف العمر .
___________
لا تجعل سعيك للنجاح يسرق منك الإنسانية والعائلة والحب والمشاعر الجميلة، لا تجعل طموحكم يحولك ويوصلك لتكون روبوت يغزوه الشعر الأبيض.
__________
*فكرة الكاتب / محمود قريش*