بوابة نظام الدولية 

منذ 4 ساعة 0 22 0
الإشراف التربوي من المنظور الإنساني
الإشراف التربوي من المنظور الإنساني

الإشراف التربوي من المنظور الإنساني

 

دراسة تحليلية في جوهر العلاقة بين الإنسان والتعليم

 

بقلم /نعمه جابر الفيفي

 

يُعد الإشراف التربوي أحد أهم أعمدة المنظومة التعليمية المعاصرة، فهو الأداة التي تضمن جودة الأداء التربوي، وتعمل على تطوير المعلمين ورفع كفاءاتهم المهنية، وتحسين بيئة التعليم لتصب في النهاية في خدمة المتعلم وتنمية المجتمع. غير أن الإشراف التربوي لا ينبغي أن يُختزل في بعده الإداري أو التقويمي فحسب، بل يجب أن يُنظر إليه كعملية إنسانية تفاعلية تستند إلى قيم التواصل، الاحترام، المشاركة، والرعاية المتبادلة بين المشرف والمعلمين.

فحينما يتجرد الإشراف من روحه الإنسانية، يتحول إلى سلطة رقابية جامدة تقتل الإبداع وتضعف الدافعية، أما حين يستعيد بعده الإنساني، فإنه يصبح قوة محفزة قادرة على إحياء روح التعليم وإطلاق طاقات المعلمين والمتعلمين معًا.

 

أولاً: الإشراف التربوي بين المفهوم التقليدي والحديث

 

1. المفهوم التقليدي

 

في مراحله الأولى، ارتبط الإشراف التربوي بمفهوم "التفتيش"، وهو مصطلح يحمل في طياته نزعة رقابية صارمة تركز على محاسبة المعلمين وكشف الأخطاء أكثر من دعمهم. كان الهدف الأساس آنذاك التأكد من مدى التزام المعلم بالأنظمة والتعليمات، دون النظر إلى حاجاته المهنية أو مشاعره الإنسانية. أدى ذلك إلى خلق فجوة بين المشرف والمعلم، وإلى نظرة سلبية تجاه الإشراف بوصفه سلطة تفرض لا شريكًا يوجه.

 

2. المفهوم الحديث

 

مع تطور الفكر التربوي، تحول الإشراف من التفتيش إلى التوجيه، ثم إلى الإشراف التشاركي القائم على الدعم والتنمية. وأصبح المشرف التربوي قائداً مهنياً يسهم في تنمية المعلمين وتطوير قدراتهم عبر علاقة قائمة على الاحترام والثقة والتفاعل الإيجابي.

هذا التحول يعكس إدراك المؤسسات التعليمية أن الإنسان هو محور العملية التربوية، وأن نجاح التعليم لا يتحقق إلا عبر بناء جسور إنسانية متينة بين أطرافه.

 

 

ثانياً: البعد الإنساني في فلسفة الإشراف التربوي

 

المنظور الإنساني للإشراف التربوي يقوم على الإيمان العميق بأن كل إنسان يمتلك طاقات كامنة يمكن تنميتها بالرعاية والتقدير. فالمعلم ليس مجرد منفذ للمناهج، بل هو كائن مبدع، يحتاج إلى من يثق به، ويؤمن بقدراته، ويمكّنه من النمو المستمر.

وفي هذا السياق، يأخذ الإشراف التربوي طابعًا إنسانيًا يتجاوز حدود الوظيفة إلى الرسالة، ويعتمد على المبادئ الآتية:

 

1. الاحترام المتبادل:

فالعلاقة الإشرافية الناجحة لا تقوم على الهيمنة، بل على التقدير. المشرف لا يفرض، بل يقترح، والمعلم لا يتلقى فقط، بل يشارك ويفكر.

 

 

2. التواصل الإنساني الفعّال:

الحوار هو أداة الإشراف الإنساني، حيث يتبادل الطرفان الأفكار والخبرات بصدق وشفافية، بعيدًا عن لغة الأوامر أو النقد الجارح.

 

 

3. الدعم النفسي والمهني:

المشرف التربوي الناجح لا يكتفي بتقويم الأداء، بل يهتم برفاه المعلم النفسي، ويمنحه الأمان والطمأنينة في بيئة عمله.

 

 

4. تحفيز النمو الذاتي:

من خلال التشجيع، والإشادة بالإنجاز، وتقديم التغذية الراجعة الإيجابية، بما يعزز الثقة بالنفس ويحفز الرغبة في التطور.

 

 

ثالثاً: العلاقة الإنسانية بين المشرف والمعلم

 

العلاقة بين المشرف والمعلم هي محور الإشراف الإنساني، وهي علاقة شراكة قائمة على الفهم والاحترام لا على السيطرة أو التوجيه القسري.

فالمشرف التربوي في المنظور الإنساني ليس سلطة رقابية، بل هو قائد تربوي وإنساني يسعى لتيسير عملية النمو المهني للمعلمين، ومساعدتهم على تجاوز العقبات، وتشجيعهم على تبني أساليب تدريس حديثة وفعّالة.

ويتحقق ذلك من خلال بناء الثقة المتبادلة، وتقدير الجهود، والإنصات الحقيقي لهموم المعلمين وطموحاتهم. إن المشرف الذي يفتح قلبه قبل دفتر ملاحظاته، يستطيع أن يصنع فرقًا حقيقيًا في أداء معلميه.

رابعاً: الإشراف كأداة لدعم المعلمين وتطويرهم

 

يتجسد البعد الإنساني في الإشراف التربوي من خلال أدواره العملية التي تهدف إلى الارتقاء بالمعلم علميًا ومهنيًا ونفسيًا، ومن أبرزها:

 

1. تطوير الكفاءات العلمية والعملية:

من خلال الدورات التدريبية، وورش العمل، والزيارات الصفية البنّاءة التي تركز على النمو لا على الأخطاء.

 

 

2. تحفيز الابتكار والإبداع:

بمساعدة المعلمين على ابتكار وسائل تعليمية جديدة، وتطوير استراتيجيات تدريس تعزز المشاركة النشطة للطلاب.

 

 

3. تحليل الأداء وتقديم التغذية الراجعة:

على نحو موضوعي ومرن، بعيد عن التوبيخ، بما يوجه المعلم نحو التحسين الذاتي.

 

 

4. تقديم الدعم المهني المستمر:

سواء كان دعمًا تقنيًا في استخدام التكنولوجيا، أو نفسيًا في مواجهة ضغوط العمل.

 

خامساً: الإشراف الإنساني وتحسين جودة التعليم

 

إن الإشراف الإنساني لا ينعكس فقط على المعلم، بل يمتد أثره إلى المدرسة والطلاب على حد سواء. فالمعلم الذي يشعر بالتقدير والدعم يصبح أكثر التزامًا وإبداعًا، ما يؤدي إلى تعليم أكثر فاعلية.

 

الإشراف الإنساني يسهم في:

 

- رفع مستوى التحصيل الدراسي للطلاب.

 

 . تحسين المناخ المدرسي وجعل المدرسة بيئة جاذبة.

 

. تفعيل العمل الجماعي والتعاون بين الهيئة التدريسية.

 

ترسيخ قيم الانتماء والولاء المهني لدى العاملين في التعليم.

 

سادساً: بناء جسور التواصل في الميدان التربوي

 

من أهم أركان الإشراف الإنساني بناء جسور التواصل الفعّال بين جميع أطراف العملية التعليمية. فالمشرف يعمل كحلقة وصل بين المعلمين والإدارة، وبين المدرسة والمجتمع، ينقل الأفكار، ويشارك الخبرات، ويوحد الرؤى.

ولكي يتحقق هذا التواصل، يجب أن يتبنى المشرف أساليب الحوار الإيجابي، والاستماع المتفهم، والعمل بروح الفريق الواحد. فالإشراف الإنساني هو بناء للعلاقات قبل بناء البرامج، وتوحيد للجهود قبل إصدار التوجيهات.

 

سابعاً: التحديات التي تواجه الإشراف الإنساني

 

رغم أهمية هذا الاتجاه، يواجه الإشراف الإنساني عددًا من التحديات، أبرزها:

 

ضغوط العمل وكثرة المهام الإدارية التي تحول المشرف من قائد داعم إلى مراقب منشغل.

 

غياب التدريب على مهارات التواصل الإنساني لدى بعض المشرفين.

 

مقاومة التغيير من قبل بعض المعلمين الذين اعتادوا النمط التقليدي في التعامل.

 

نقص الموارد والإمكانات التي تحد من فرص التدريب والتفاعل الإيجابي.

 

هذه التحديات تستدعي إعادة بناء فلسفة الإشراف بما يوازن بين المتابعة الإدارية والدعم الإنساني، ويمنح المشرفين القدرة على ممارسة دورهم القيادي بروح تربوية راقية.

 

ثامناً: الإشراف التربوي كقيادة إنسانية

 

في جوهره، الإشراف التربوي هو شكل من أشكال القيادة الإنسانية، فهو يقوم على تمكين الآخرين لا السيطرة عليهم. المشرف الإنساني يوجه بالسلوك لا بالأوامر، ويؤثر بالقيم لا بالتعليمات.

 

ومن هذا المنطلق، يصبح الإشراف عملية مستمرة من التعلم المتبادل، حيث يتعلم المشرف من الميدان كما يُعلِّم، وينمو الجميع في دائرة من الثقة والاحترام والالتزام المشترك نحو هدف واحد: الارتقاء بجودة التعليم وبالإنسان المتعلم نفسه.

 

إن الإشراف التربوي من المنظور الإنساني ليس مجرد إطار تنظيمي لتقويم الأداء، بل هو منظومة قيم تقوم على الحب والمسؤولية والتعاون. هو فلسفة تؤمن بأن الإنسان هو غاية التعليم ووسيلته، وأن بناء المعلم نفسيًا ومهنيًا هو الطريق الأكيد لبناء جيل متعلم مبدع.

فالمشرف الذي يحتضن المعلمين بعقله وقلبه، ويقودهم بالثقة والتقدير، يصنع بيئة تربوية تُثمر معرفةً وإنسانًا.

 

وعندما يتحول الإشراف إلى ممارسة إنسانية راقية، يصبح التعليم ذاته رسالة سامية تُبنى بالعقل ويحييها القلب — وتلك هي أسمى غايات التربية والإشراف معًا.

 

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر
الإشراف التربوي من المنظور الإنساني

محرر الخبر

جمعه الخياط
المدير العام
رئيس مجلس ادارة بوابة نظام الالكترونية، محلل سياسي واجتماعي وصحي

شارك وارسل تعليق

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من إرسال تعليقك

أخبار مقترحة

بلوك المقالات

الفيديوهات

الصور

بوابة نظام الدولية 

بوابة نظام الدولية ابة نظام الدولية 

أخر ردود الزوار

الكاريكاتير

أخبار الدوري المصري

استمع الافضل

آراء الكتاب

آراء الكتاب 2